فصل: ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ست وأربعين ومائة

استتمام المنصور بناء بغداد

وقد ذكر محمد بن عمران أن أبا جعفر تحول إلى بغداد في صفر سنة ست وأربعين فنزلها‏.‏

وفيها‏:‏ عزل المنصور عبد الله بن الربيع الحارثي عن المدينة وولاها جعفر بن سليمان بن علي‏.‏

وعزل عن مكة السري بن عبد الله وولاها عبد الصمد بن علي‏.‏ وولى البصرة سالم بن قتيبة

يسيرًا ثم عزله‏.‏ وكان سبب عزله‏:‏ أن المنصور كتب إليه‏:‏ بأي ذلك أبدأ بالدور أم بالنخل

فكتب إليه‏:‏ لو أمرتك بإفساد ثمرهم لكتبت تستأذني بأيه أبدأ بالبرني أم بالشهريز‏.‏ وعزلهوولى محمد بن سليمان بن علي فهدم دورًا كثيرة وعقر نخلهم ثم عزله وولى محمد بن العباس

وعزل عيسى بن موسى عن الكوفة وولاه البصرة في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏ وفيها‏:‏

دخلت الترك تفليس فهزموا جبريل بن يحيى وقتلوا حرب بن عبد الله وسبوا سبيًا كثيرًا من

المسلمين‏.‏ وفيها‏:‏ حج بالناس في هذه السنة عبد الوهاب بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بنالعباس‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن عليأشعث بن عبد الملك أبو هانىء الحمراني

مولى حمران بن أبان‏.‏ سمع الحسن وابن سيرين‏.‏ روى عنه يحيى القطان‏.‏ توفي في هذه السنة

وكان ثقة‏.‏

رباح القيسي يكنى أبا المهاصر كان كثير البكاء والتعبد وكان قد اتخذ غلًا من حديد يضعه في عنقه بالليل ويبكي ويتضرع إلى الصباح‏.‏ أخبرنا عبد الوهاب الحافظ قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال‏:‏ أخبرنا أحمد بم محمد بن يوسف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثني أبو عمر الضرير قال‏:‏ حدثني الحارث بن سعيد قال‏:‏ أخذ بيدي رباح فقال‏:‏ هلم يا أبا محمد حتى نبكي على قصر الساعات ونحن على هذه الحال‏.‏ قال‏:‏ فخرجت معه إلى المقابر فلما نظر إلى القبور صرخ ثم خر مغشيًا عليه‏.‏ قال‏:‏ فجلست والله عند رأسه أبكي فأفاق فقال‏:‏ ما يبكيك قلت‏:‏ لما أرى بك‏.‏ قال‏:‏ لنفسك فأبك‏.‏ ثم قال‏:‏ وانفساه وانفسا ثم غشي عليه‏.‏قال‏:‏ فرحمته والله مما نزل به ثم لم أزل عند رأسه حتى أفاق فوثب وهو يقول‏:‏ ‏{‏تلك إذن كرةخاسرة‏}‏ ‏{‏تلك إذن كرة خاسرة‏}‏ ومضى على وجهه وأنا أتبعه لا يكلمني حتى انتهى إلى منزلهضيغم بن مالك وأبو مالك العابد كان ورده كل يوم أربعمائة ركعة وكان كثير البكاء طويل الحزن وكان يقول‏:‏ لو أعلم أن رضاه في أن أقرض لحمي لدعوت بالمقراض فقرضته‏.‏ أخبرنا عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن علي الخياط قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد يوسف قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثني مالم بن ضغيم قال‏:‏ قالت أم ضغيم لي يومًا‏:‏ ضغيم‏.‏ قال لها‏:‏ لبيك يا أماه‏.‏ قالت‏:‏ كيف فرحك بالقدوم على الله قال‏:‏ فحدثني غير واحد من أهله أنه صاح صيحة لم يسمعوه صاح مثلها قط وسقط مغشيًا عليه فجلست العجوز تبكي عند رأسه وتقول‏:‏ بأبي أنت ما تستطيع أن يذكر بين يديك شيء من أمر ربك‏.‏ قال‏:‏ وقالت له يومًا‏:‏ ضغيم‏.‏ قال‏:‏ لبيك يا أماه‏.‏ قالت‏:‏ تحب الموت قال‏:‏ نعم يا أماه‏.‏ قالت‏:‏ ولم يا بني قال‏:‏ رجاء خير ما عند الله

قال‏:‏ فبكت العجوز وبكى وتسامع أهل الدار فجلسوا يبكون لبكائهم‏.‏ قال‏:‏ وقالت له يومًا آخر‏:‏ ضغيم‏.‏ قال‏:‏ لبيك ياأماه‏.‏ قالت‏:‏ تحب الموت قال‏:‏ لا يا أماه‏.‏ قالت‏:‏ ولم يا بني قال‏:‏ لكثرة تفريطي وغفلتي من عن نفسي‏.‏ قال‏:‏ فبكت العجوز وبكى ضغيم فاجتمع أهل الدار يبكون‏.‏ وكانت أمه عربية كأنها من أهل البادية‏.‏سمع عكرمة مولى ابن عباس و أبا إسحاق السبيعي وعطاء وعمر بن المنكدر‏.‏ روى عنه

الثوري وكان يثني عليه ويجلس بين يديه ينظر إليه لا يكاد يصرف بصره عنه يتأدب برويته‏.‏وكان ثقة صالحًا يقال‏:‏ إنه من الأبدال‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي

قال‏:‏ أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر الوراق قال‏:‏ حدثنا الوليد بن بكر الأندلسي قال‏:‏ حدثنا

علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي قال‏:‏ حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجلي قال‏:‏حدثنا أبي عن أبيه عبد الله قال‏:‏ جاءت امرأة إلى عمرو بن قيس بثوب فقالت‏:‏ يا أبا عبد اللهاشتر هذا الثوب واعلم أن غزله ضعيف‏.‏ قال‏:‏ فكان إذا جاءه إنسان فعرضه عليه قال‏:‏ إنصاحبته أخبرتني أنه كان في غزله ضعف‏.‏ حتى جاءه رجل فاشتراه وقال‏:‏ قد أبرأناك منه‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا ثابت بن بندار قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر البرقاني قال‏:‏ سمعت عبد الله بن إبراهيم الأنبذوني يقول‏:‏ أخبرنا أحمد بن عامر الدمشقي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أبيالحواري قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن خلف قال‏:‏ أقام عمرو بن قيس عشرين سنة صائمًا ما يعلم به

أهله يأخذ غداه ويغدو إلى الحانوت فيتصدق بغدائه ويصوم وأهله لا يدرون‏.‏ قال‏:‏ وكان إذاحضرته الرقة يحول وجهه إلى الحائط ويقول‏:‏ هذا الزكام‏.‏ وإذا نظر إلى أهل السوق قال‏:‏ ما أغفل هؤلاء عما أعد لهم‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد المعدل قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ حدثنا ابن أبي الدنيا قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا حفص بن غياث قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ لما احتضر عمرو بن قيس الملائي بكى‏.‏ فقال أصحابه‏:‏ علام تبكي من الدنيا فو الله لقد كنت منغص العيش أيام حياتك‏.‏

فقال‏:‏ والله ما أبكي على الدنيا إنما أبكي خوفًا أن أحرم خير الآخرة‏.‏ أخبرنا محمد بن عبد

الباقي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال‏:‏حدثنا عبد الله بن جعفر قال‏:‏ حدثنا علي بن أبي قال‏:‏ حدثنا حعفر بن كزال قال‏:‏ حدثني محمد

بن بشير قال‏:‏ حدثنا المحاربي قال‏:‏ قال لي سفيان‏:‏ عمرو بن قيس هو الذي أدبني علمني قراءة القرآن وعلمني الفرائض فكنت أطلبه في سوقه فإن لم أجده في سوقه وجدته في بيته إما يصلي وإما يقرأ القرآن في المصحف كأنه يبادر أمورًا تفوته فإن لم أجده في بيته وجدته في بعض مساجد الكوفة في زاوية من زوايا المسجد كأنه سارق قاعد يبكي فإن لم أجده وجدته في المقبرة قاعدًا ينوح على نفسه‏.‏ فلما مات أغلق أهل الكوفة أبوابهم وخرجوا بجنازته فلما أخرجوه إلى الجبانة وبرزوا بسريره وكان أوصى أن يصلي عليه أبو حيان التيمي فلما تقدم أبو حيان وكبروا سمعوا صائحًا يصيح‏:‏ قد جاء المحسن قد جاء المحسن عمرو بن قيس‏.‏ وإذا البرية مملوءة من طير أبيض لم ير على خلقتها وحسنها فجعل الناس يعجبون من حسنها وكثرتها‏.‏ قال أبو حيان‏:‏ من أي شيء تعجبون هذه ملائكة جاءت فشهدت عمرًا‏.‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن حسن الطبري قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد المقرىء قال‏:‏ حدثنا محمد بن مخلد قال‏:‏ حدثنا أبو العباس عيسى بن إسحاق السائح قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثنا أبو خالد هو الأحمر قال‏:‏ لما مات عمرو بن قيس رأوا الصحراء مملوءة رجالًا عليهم ثياب بيض فلما صلي عليه ودفن لم يروا في الصحراء أحدًا فبلغ ذلك لأبي حعفر فقال لابن شبرمة وابن أبي ليلى‏:‏ ما منعكما أن تذكرا هذا الرجل لي فقالا‏:‏ كان يسألنا أن لا نذكره لك‏.‏ اختلفوا أين توفي فقيل‏:‏ بالكوفة وقيل‏:‏ بسجستان‏.‏ وقيل‏:‏ بالشام‏.‏ وقيل‏:‏ ببغداد‏.‏ والأول أليق‏.‏

هشام بن عروة بن الزبير بن العوام أبو المنذر وقيل أبو عبد الله الأسدي‏.‏ ولد سنة إحدى وستين رأى ابن عمر وجابر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن الزبير وسمع أباه وابن المنكدر والزهري وغيرهم‏.‏ روى عنه أيوب السجستاني ومالك وابن جريج والثوري والليث بن سعد و غيرهم‏.‏ وكان ثقة وقدم على المنصور‏.‏ أخبرنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبلقال‏:‏ حدثنا عاصم بن عمر بن علي المقرىء قال‏:‏ حدثني أبي عن هشام بن عروة‏:‏ أنه دخل على أبي حعفر المنصور فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين اقض عني ديني‏.‏ قال‏:‏ وكم دينك قال‏:‏ مائة ألف‏.‏ قال‏:‏ وأنت في فضلك وفهمك تأخذ دينًا مائة ألف وليس عندك قضاؤها قال يا أمير المؤمنين شب فتيان من فتياننا فأحببت أن أبوئهم وخشيت أن ينتشر علي من أمرهم ما أكره فبوأتهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم ثقة بالله وبأمير المؤمنين قال‏:‏ فرد عليه مائة ألف استعظامًا لها ثم قال‏:‏ قد أمرنا لك بعشرة آلاف‏.‏ قال‏:‏ يا أمير المؤمنين فأعطني ما أعطيت وأنت طيب النفس فإني سمعت أبي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ من أعطى عطية وهو بها طيب النفس بورك للمعطي وللمعطى ‏"‏ قال‏:‏ فإني بها طيب النفس‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز بإسناد له عن شيخ من قريش قال‏:‏ أهوى هشام بن عروة إلى يد

المنصور يقبلها فمنعه وقال‏:‏ يا ابن عروة إن نكره ذلك إن نكرمك عنها ونكرمها عن غيرك‏.‏توفي هشام عند المنصور فصلى عليه المنصور وكانت وفاته في هذه السنة وهو ابن خمس

وثمانين سنة‏.‏ وقيل‏:‏ توفي في سنة خمس وأربعين‏.‏ وقيل‏:‏ سبع وأربعين‏.‏ واختلفوا في قبره‏.‏ قالأبو الحسين بن المنادي‏:‏ أبو المنذر هشام بن عروة بن الزبير بن العوام مات أيا خلافة أبي جعفر في سنة ست وأربعين ودفن في الجانب الغربي خارج السور نحو باب قطربل‏.‏ وأخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد قال‏:‏ حدثني حمزة عن طاهر الدقاق‏:‏ أنه سمع أبا أحمد بن عبد الله بن الخفر ينكر أن يكون قبر هشام المشهور بالجانب الغربي وإنما هو بالخيزرانية من الجانب الشرقي‏.‏ قال أحمد‏:‏ ونرى أن هذا هو الصواب‏.‏  ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائة فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الكواكب تناثرت كثيرًا‏.‏ وفيها إغارة الترك على المسلمين بناحية أرمينية

وسبيهم منهم ومن أهل الذمة خلقًا كثيرًا ودخلوا بهم تفليس وقتلهم حرب بن عبد الله الذي

تنسب إليه الحربية ببغداد وكان حرب مقيمًا بالموصل في ألفين من الجند لمكان الخوارج الذينبالجزيرة وكان أبو حعفر حين بلغه تحرك الترك هناك وجه إليهم جبريل بن يحيى وكتب إلى حرب يأمره بالمسير معه فسار معه فقتل وهزم جبريل وأصيب من ذكرنا‏.‏ وفيها‏:‏ كان مهلك عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس وكان السبب‏:‏ أن أبا جعفر كان قد عزل عيسى بن موسى عن الكوفة و أرضها وولى مكانه محمد بن سليمان وأوفده إلى مدينة السلام فدعا به فدفع إليه عبد الله بن علي سرًا في جوف الليل وقال له‏:‏ يا عيسى إن هذا أراد أن يزيل النعمة عن يوعنك وأنت ولي عهد بعد المهدي والخلافة صائرة إليك فخذه إليك واضرب عنقه وإياك أن تخور أو تضعف‏.‏ ثم كتب إليه ما فعلت فيما أمرتك به فكتب إليه ثم أنفذت ما أمرت به‏.‏

فلم يشك أبو جعفر أنه قد قتل عبد الله بن علي وكان عيسى حين أخذ عبد الله بن علي قد

ستره ودعا كاتبه يونس بن فروة فقال‏:‏ إن هذا الرجل دفع إلي عمه فأمرني فيه بكذا وكذا‏.‏فقال‏:‏ أراد أن يقتلك ويقتله أمرك بقتله سرًا ثم يدعيه عليك علانية فيقيدك به‏.‏ قال‏:‏ فماالرأي قال‏:‏ أن تستره في منزلك ولا تطلع على ذلك أحدًا فإن طلبه منك علانية دفعته إليكعلانية ولا تدفعه إليه سرًا أبدًا فإنه إن كان أسره إليك سيظهر ففعل ذلك عيسى‏.‏ وقدم المنصور ودس على عمومته من يحركهم على مسألته فيه هبة عبد الله بن علي لهم ويطمعهم أنه سيفعل يعني المنصور فجاءوا إليه فكلموه ورققوه وأظهروا له الرقة وذكروا له الرحم‏.‏ فقال

المنصور‏:‏ نعم علي بعيسى بن موسى‏.‏ فأتى فقال‏:‏ يا عيسى قد علمت أني دفعت إليك عميوعمك عبد الله بن علي قبل خروجي إلى الحج وأمرتك أن يكون في منزلك‏.‏ قال‏:‏ قد فعلت

ذلك‏.‏ قال‏:‏ وقد كلمني عمومتك فيه فرأيت الصفح و تخلية سبيله فأتنا به‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير

المؤمنين ألم تأمرنا بقتله‏.‏ فقال‏:‏ ما أمرتك بقتله‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أنت أمرتني بقتله‏.‏ فقال‏:‏ كذبت ما أمرتك بقتله‏.‏ ثم قال لعمومته‏:‏ إن هذا قد اقر لكم بقتل أخيكم وادعى أني أمرته بذلك وقد كذب‏.‏ قالوا‏:‏ فادفعه إلينا نقيده‏.‏ قال‏:‏ شأنكم به‏.‏ فأخرجوه إلى الرحبة واجتمع

الناس واشتهر الأمر فقام أحدهم وشهر سيفه وتقدم إلى عيسى ليضربه فقال له عيسى‏:‏أقاتلي أنت قال‏:‏ أي والله‏.‏ قال‏:‏ لا تعجلوا ردوني إلى أمير المؤمنين‏.‏ فردوه إليه‏.‏ فقال‏:‏ إنما

أردت بقتله أن تقتلني هذا عمك حي سوي إن أمرتني بدفعه إليك دفعته‏.‏ قال‏:‏ إتنا به‏.‏ فقالله عيسى‏:‏ دبرت علي أمرًا فحبسته فكان كما حسبت فشأنك بعمك‏.‏ فأمر به فجعل في

بيت‏.‏ وتوفي عبد الله في هذه السنة في الحبس‏.‏وفيها خلع المنصور عيسى بن موسى وبايع لابنه المهدي فجعله ولي العهد

وكان سبب خلعه بعد أن بايع له السفاح بعد المنصور أقر على ما كان عليه من ولاية الكوفةوسوادها في زمن السفاح فكان يكرمه ويجلسه عن يمينه والمهدي عن يساره إلى أن عزمالمنصور على تقديم المهدي في الخلافة عليه فلما عزم على ذلك كلم عيسى بن موسى في ذلك

برقيق من الكلام‏.‏ فقال عيسى‏:‏ يا أمير المؤمنين فكيف بالأيمان والمواثيق التي علي وعلى

المسلمين في العتق والطلاق وغير ذلك ليس إلى ذلك سبيل فلما رأى امتناعه تغير له وباعده

بعض التباعد وأمر بالإذن للمهدي قبله فكان يدخل فيجلس في مجلس عيسى ثم يؤذن لعيسى

فيدخل فيجلس دون المهدي عن يمين المنصور أيضًا ولا يجلس عن يساره فيغتاظ من ذلك

المنصور ويبلغ منه فكان يأمر بالإذن للمهدي ثم لعيسى بن علي ثم عبد الصمد بن علي ثم

عيسى بن موسى‏.‏ ثم صار الأمر إلى أوحش من ذلك بأن كان يكون في المجلس فيسمع الحفر في أصل الحائط فيخاف أن يخر عليه الحائط وينتثر عليه التراب وينظر إلى الخشبة من سقف

المجلس قد حفر عند طرفيها لتقلع فيسقط التراب على قلنسوته وثيابه فيأمر من معه من ولدبالتحول ويقوم هو فيصلي ويأتيه الإذن فيدخل على حالته والتراب عليه‏.‏ وقيل‏:‏ إنه دس

لعيسى بعض ما يتلفه ونهض وخرج فقال له بختيشوع‏:‏ ما أجترىء على معالجتك بالحضرةفاستأذن في الكوفة فأذن له وبلغت العلة من عيسى كل مبلغ حتى تمعط شعره‏.‏ وقد اختلفوا

في نزول عيسى عن الخلافة للمهدي على خمسة أقوال‏:‏ أجدها‏:‏ أنه قيل للمنصور‏:‏ إنما يحب

عيسى الخلافة لولده فلو أوهمته قتله لنزل عن الخلافة فأخذ ولده بحضرته وقال للربيع‏:‏ اخنقهفلف حمائل سيفه على حلقه توهم أنه يخنقه‏.‏ فلما رأى عيسى الجد قال‏:‏ أشهدك أن نسائيطوالق ومماليكي أحرار وكل ما أملك في سبيل الله وهذه يدي بالبيعة للمهدي‏.‏ والثاني‏:‏ أن

الجند كانوا يؤذون عيسى إذا ركب ويسبونه فشكاهم إلى المنصور فقال إنهم قد أشربوا حبهذا الفتى فبايع حينئذ للمهدي‏.‏ والثالث‏:‏ أنه ذهب إليه ثلاثون نفسًا فسألوه أن ينزل عن الخلافة فلم يفعل فخرجوا فأخبروا المنصور أنه قد نزل وشهدوا عليه بذلك فكتب بذلك إلى الأنبار فلما أنكر شهدوا عليه‏.‏ والرابع‏:‏ أن سالم بن قتيبة أشار عليه بذلك فقبل منه‏.‏

والخامس‏:‏ أنه بذل له مال فخرج إلى الناس فقال‏:‏ قد بعت نصيبي من مقدمة ولاية العهد من

أمير المؤمنين لابنه المهدي بعشرة آلاف ألف درهم وثلاثمائة ألف بين يدي ولدي فلان وفلانوسبعمائة ألف من فلانة امرأة من نسائه بطيب نفسٍ مني لأنه أولى بها مني وأحق فما أدعيه

بعد يومي هذا فإني فيه مبطل‏.‏ وكساه أبو جعفر وكسا أولاده بقيمة ألف ألف درهم ومائتي

ألف درهم وكان ولاية عيسى الكوفة وسوادها وما حولها ثلاث عشرة سنة حتى عزل محمد

بن سليمان حين امتنع من تقديم المهدي على نفسه‏.‏ وقال المنصور للمهدي لما عهد إليه‏:‏ يا أبا

عبد الله استدم النعمة بالشكر والقدرة بالعفو والطاعة بالتألف والنصر بالتوضع ولا تبرم

أمرًا حتى تفكر فيه فإن فكر العاقل مرآته تريه حسنة وسيئه‏.‏ واعلم أنه لا يصلح رعيته إلابالطاعة ولا تعمر البلاد بمثل العدل ولا تدوم نعمة السلطان وطاعته إلا بالمال وأقدر الناس

على العفو أقدرهم على العقوبة وأعجز الناس من ظلم من هو دونه واعتبر عمل صاحبكوعلمه باختباره ومن أحب الحمد أحسن السيرة وليس العاقل الذي يحتال للأمر الذي وقع فيهحتى يخرج منه ولكن هو الذي يحتال للأمر الذي غشيه حتى لا يقع فيه‏.‏ وقال له يومًا‏:‏ كم دابة عندك قال‏:‏ لا أدري‏.‏ هذا والله التصنيع أنت لأمر الخلافة أشد تضييعًا‏.‏ وفي هذه السنة‏:‏

ولى أبو جعفر محمد بن العباس ابن أخيه البصرة فاستعفى منها فأعفاه فانصرف عنها إلى مدينة النبي صلى الله عليه وسلم فمات بها‏.‏ واستخلف على البصرة عقبة بن مسلم وأقره أبو

جعفر عليها‏.‏

وفيها ضرب مالك بن أنس

أنبأنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسين البيهقي قال‏:‏ سمعت أبا أحمد ابن أبي الحسن يقول‏:‏ سمعت أبا عوانة يقول‏:‏ سمعت أبا يوسف الفارسي يقول‏:‏ سمعت مكي بن إبراهيم يقول‏:‏ ضرب مالك بن أنس رضي الله عنه في سنة سبع وأربعين ومائة‏.‏ ضربه سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس سبعين سوطًا‏.‏ قال مؤلف الكتاب رحمه الله‏:‏ والسبب في ضربه أنهم سألوه عن مبايعة محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن وقالوا له‏:‏ إن في أعناقنا بيعة أبي حعفر‏.‏ فقال‏:‏ إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين فأسرع الناس إلى محممد‏.‏ فلذلك ضرب‏.‏ وفي هذه السنة‏:‏ حج بالناس المنصور وقبض على جعفر بن محمد بن علي بالمدينة‏.‏ أخبرنا عبد الوهاببن المبارك قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا علي بن عمر القزويني قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال‏:‏ حدثنا القاسم بن داود الكاتب قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن عبيد القرشي قال‏:‏ حدثني عيسى بن حرب والمغيرة بن محمد قالا‏:‏ حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال‏:‏ حدثني الحسين بن الفضل بن الربيع قال‏:‏ حدثني عبد الله بن الفضل بن الربيع ولم يحفظ الدعاء وبعضه عن غيره قال‏:‏ حج أبو جعفر سنة سبع وأربعين ومائة فقدم المدينة فقال‏:‏ ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبًا قتلني الله إن لم أقتله‏.‏ فتغافل عنه الربيع لينساه ثم أعاد ذكره للربيع وقال‏:‏ ابعث إليه من يأتي به متعبًا‏.‏ فتغافل عنه ثم أرسل إلى الربيع برسالة قبيحة في جعفر وأمره أن يبعث إليه ففعل‏.‏ فلما أتاه فقال‏:‏ أبا عبد الله اذكر الله فإنه قد أرسل إليك التي لا سوى لها‏.‏ قال جعفر‏:‏ لا حولة ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏ ثم أعلن أبا جعفر حضوره فلما دخل أوعده وقال أبو عبد الله‏:‏ إتخذك أهل العراق إمامًا يجبون إليك زكاة

أموالهم و تلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك‏.‏ فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنسليمان عليه السلام أعطي فشكر وإن أيوب ابتلى فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت منذلك الشيخ‏.‏ فقال له أبو جعفر‏:‏ إلي وعندي أبا عبد الله البريء الساحة السليم الناحية القليل

الغائلة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم‏.‏ ثم تناول يدهفأجلسه معه على فرشه ثم قال‏:‏ علي بالمحفة‏.‏ فأتى بدهن فيه غالية فعلقه بيده حتى خلت لحيته قاطرة ثم قال‏:‏ في حفظ الله وكلاءته‏.‏ ثم قال‏:‏ يا ربيع ألحق أبا عبد الله جائزته وكسوته انصرف أبا عبد اله في حفظ الله وفي كنفه‏.‏ فانصرف ولحقته فقلت له‏:‏ إني رأيت قبل ذلك ما لم تره ورأيت بعد ذلك ما قد رأيت فما قلت يا أبا عبد الرحمن حين دخلت‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني ببركتك التي لا أخاف وأحذر اللهم بك أدفع في نحره وأستعيذك من شره‏.‏ وكان عامل المنصور في هذه السنة على مكة والطائف عمه عبد الصمد بن علي وعلى البصرة جعفر بن سليمان وعلى الكوفة وأرضها محمد بن سليمان وعلى البصرة عقبة بن سالم وعلى قضائها سوار بن عبد الله وعلى مصر يزيد بن حاتم‏. ‏ ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

حسين بن ذكوان المعلم البصري

سمع عبد الله بن بريدة ويحيى بن أبي كثير‏.‏ سمع منه‏:‏ شعبة وعبد الوارث وابن المبارك

وكان ثقة‏.‏سهيل بن حيان بن المنصور بن سعد أبو السحماء الكلبي عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي عم أبو جعفر المنصور‏.‏ أمه أو ولد بربرية ولاه أبو العباس السفاح حرب مروان بن محمد وضمن له لأنه إن جرى قتل مروان على يده أن يجعله الخليفة من بعده فسار عبد الله إلى مروان حتى قتله واستولى على بلاد الشام ولم يزل أميرًا عليها مدة خلافة السفاح ثم تغيرت نية السفاح له فعهد إلى المنصور فلما ولي المنصور خالف عليه عبد الله ودعا إلى نفسه محتجبًا بما كان السفاح وعده فوجه إليه المنصور أبا مسلم صاحب الدولة فحاربه بنصيبين فانهزم عبد الله واختفى وصار إلى البصرة إلى أخيه سليمان بن علي فأقام عنده إلى أن أخذ له أمانًا من المنصور ولم يصل إليه فحبسه فلم يزل في الحبس حتى وقع عليه البيت الذي حبس فيه في ليلة مطيرة فقتله في هذه السنة وهو ابن اثنين وخمسين‏.‏ وقيل‏:‏ بل كان عمره خمسًا وأربعين‏.‏

ودفن في مقابر باب الشام فكان أول من دفن بها‏.‏ وقد روى أصحاب التواريخ أن المنصور قاللابن عياش المتنوف وكان له انبساط على المنصور على طريق المزاح‏:‏ تعرف ثلاثة أول أسمائهم عين قتلوا ثلاثة أوائل أسمائهم عين قال‏:‏ نعم عبد الرحمن قتل علي بن أبي طالب وعبد الملك بن مروان قتل عبد الله بن الزبير ووقع البيت على عمك عبد الله‏.‏ وكان قد كتب العهد لعبد الله واستوثق فيه وغلظ في الأيمان وفيه‏:‏ أن أحج حافيًا حاسرًا وأموالي وأملاكي حبيس في

سبيل الله وأقول كذا وكذا وأبرأ من كذا وكذا‏.‏ فلما وقف المنصور على هذا المكتوب قال‏:‏ متى وقعت عليه عيني فهذا كله يلومني‏.‏ فلما جيء به أعلم بمجيئه فقال‏:‏ يدخل بيتًا‏.‏ وكان قد

أعد له بيتًا بني أساسه بالملح فلما استقر فيه أجري الماء حواليه فانهدم البيت عليه‏.‏ وذكر أبو

بكر الصولي عن عبد الله بن العياش قال‏:‏ قال لنا المنصور‏:‏ أخبروني عن أول خليفة اسمه عين قتل ثلاثة جبابرة أول أسمائهم عين فقلت‏:‏ عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث‏.‏ قال‏:‏ فخليفة آخر أول اسمه عين فعل مثل ذلك بثلاثة جبابرة أول أسمائهم عين‏.‏ قلت‏:‏ أنت يا أمير المؤمنين عبد الله بن محمد قتلت أل مسلم واسمه عبد الرحمن وقتلت عبد الجبار بن عدي وسقط البيت على عمك عبد الله فضحك المنصور وقال‏:‏ ويحك وما ذنبي إذا سقط البيت عليه‏.‏ قال الصولي‏:‏ إنما قال‏:‏ وسقط البيت عليه يريد أنك قتلته لأنه بنى له بيتًا أساسه ملحٌ فسقط عليه ولم يفصح بهذا ولكنهعرض به‏.‏ وقال الصولي‏:‏ ويروي أنه قال لهم‏:‏ أتعرفون عين ابن عين ابن عين ابن عين ابن عين قتل ميم ابن ميم ابن ميم قالوا‏:‏ نعم عمك عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب قتل مروان بن محمد بن مروان‏.‏وقيل‏:‏ هو عثمان بن سليمان بن هرمز‏.‏ وقيل‏:‏ ابن سليمان بن جرموز‏.‏ سمع الحسن‏.‏ وروىعنه الثوري‏.‏ وكان يبيع البت وهي ثياب معروفة بالبصرة‏.‏

هشام بن حسان بن عبد الله الفردوسي

روى عن عطاء وغيره‏.‏ أخبرنا عبد الوهاب بإسناد له عن أبي بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ حدثنيابن هرمز بن مروان قال‏:‏ سمعت حماد بن زيد قال‏:‏ حدثتني فارسية كانت تكون مع هشام بن

حسان في الدار قالت‏:‏ أي ذنب عمل هذا من قبل هذا الليل كله يبكي‏.‏ توفي هشام في هذهالسنة‏.‏ وقيل في سنة ثمان وقيل‏:‏ في سنة ست‏.‏هلني بن المنذر الكلاعي

روى عنه ابن لهيعة‏.‏ وكان علامة بالأنساب مستطلعًا معرفتها وبأخبار العرب وأيامها

وأخبار مصر وما جرى فيها‏.‏ وكان يوثق فيما يحكيه‏.‏ توفي في هذه السنة‏.‏